تاريخ الفعالية: يومي 27 – 28 نونبر 2019
الإشكالية، الأهداف، المحاور والضوابط:
إشكالية الندوة
ظلت الدراسات الأدبية لزمن طويل سجينة البحث عن نوع من التطابق بين المعنى الأدبي وبين حقائق متعالية أو تاريخية أو اجتماعية أو نفسية. وقد ترتب عن ذلك تبعية النقد الأدبي للبلاغة قديما وللعلوم الإنسانية حديثا. ولما ظهرت اللسانيات، فتحت أفاقا جديدة أمام النقد الأدبي، وحفزته على تجاوز التبعية للعلوم الإنسانية والبحثِ عن هويته الخاصة. ويمكن القول إن الدراسات الأدبية مع البنيوية الشكلانية قد تشرَّبت روح العلم، فراهنت على استخلاص ثوابت النصوص الأدبية لبناء نمذجات عامة وقواعد مجردة. وقد قادها هذا المنحى التجريدي في التفكير إلى استخلاص أنساق خفيّة مهدت لمرحلة التنظير الأدبي.
وإذا كانت السيميائيات، بمختلف تشعّباتها وامتداداتها، قد احتضنت اللسانيات وخَطَتْ خطوات بعيدة في هذا المنحى التجريدي العلمي، إلا أن أهمّ إنجاز حقّقته يكمن في مدّ الجسور من جديد بين النقد الأدبي والعلوم الإنسانية وفق رؤية حلّ فيها مفهوم النّسق محلّ مفهوم السببية. وعلى العموم، فإن ما ميّز هذه المرحلة العلمية هو انفتاح النظريات والمناهج على بعضها البعض وفق رؤية تفاعلية يحكمها التناسل النظري والتلاقح المنهجي.
ورغم النجاح الكبير الذي حققه التنظير الأدبي منذ الانفتاح على اللسانيات والسيميائيات، فهو لم يسلم من انتقادات عديدة أبرزها ارتهان النقد البنيوي ببصيرة منطقية جعلته سجين قوانين صورية متعالية تصدق على النصوص الجيدة والرديئة في آن واحد، وتحجب عنه من ثمة ذلك العماء الأنطولوجي الملازم للأدب، وتلك الأنساق الخفية التي تسكن أعماق النصوص الأدبية، ولا تستطيع آليات العقل والمنطق سبر أغوارها. لقد ظلت هذه التصورات المناهضة للصرامة العلمية التي ميزت الإبدال الوضعي، تُؤْمِنُ بخصوصية الأنساق الأدبية المتوارية التي تختلف اختلافا جذريا عن خصوصيات الوقائع العلمية، مما دفعها إلى البحث عن منافذ جديدة والتسلّح بآليات مغايرة تتيح لها إدراك تلك الأسرار الأدبية والخفايا الثقافية التي ظلّت منفلتة عن الرؤية الوضعية. وقد استلهمت هذه التصورات الجديدة آليات فهمها للنصوص الإبداعية من التيارات ذات المرجعية الظاهراتية والتأويلية، أو من التفكيكية والدراسات الثقافية ونظرية العماء، فلم تعد ‘الحقيقة’ التي تبحث عنها مجرّد ظواهر أو وقائع يمكن التحكّم فيها علميا، بل أصبحت ماهيات أنطولوجية تُفْصِحُ عن وجودها من خلال الأدب والفنّ عامة، أو أنساقا أدبية وثقافية يساهم القارئ في بنائها بهذه الطريقة أو تلك بحسب موسوعته الثقافية ومهاراته التأويلية وقدراته التأملية.
أما الأدب الرقمي فقد تباينت المواقف بشأن هويته الأدبية؛ حيث تحفظت بعض المواقف على الاعتراف به داخل المؤسسة الأدبية بدعوى أنه لا يقتصر على اللغة بل يستثمر تقنيات سيميائية غير لفظية متباينة. ورحبت مواقف أخرى به حيث اعتبرته تنويعا إبداعيا يغني المنجز الأدبي بتجارب جديدة، وذهبت مواقف أخرى متحمسة إلى اعتباره بديلا يشق طريقه ليحلّ محلّ الأدب الورقي. وعلى العموم، فإن الدراسات التي واكبت هذه التجربة الجديدة قد استمدت مفاهيمها وآليات اشتغالها من التنظير الأدبي البنيوي وما بعد البنيوي، وطعمتها بمفاهيم وآليات جديدة استوحتها من الإعلاميات وعلوم التواصل والسيبيرنيتيكا. وإذا كانت هذه الدراسات قد بَذَلَت جهودا لتقريبنا من هذا الخطاب الأدبي الهجين، وتحديد المرجعيات النظرية والمنهجية التي يمكن اعتمادها لتحليله وتأويله، إلا أن النواة المشتركة بينه وبين الأدب الورقي على مستوى الإنتاج والتلقي تضعنا أمام إشكال عويص يمكن صياغته على الشكل التالي: هل ستتمكن التنظيرات الأدبية السائدة من توسيع مجال اهتمامها ليشمل الأدب الرقمي، أم أن خصوصية هذا الأخير ستؤهله لبناء نظرية خاصة به من شأنها أن تضبط طبيعته ووظيفته، وتمسك بخيوط المنطق المتحكم في ترابطاته وتشعباته الداخلية والخارجية.
إشكالية الندوة
ظلت الدراسات الأدبية لزمن طويل سجينة البحث عن نوع من التطابق بين المعنى الأدبي وبين حقائق متعالية أو تاريخية أو اجتماعية أو نفسية. وقد ترتب عن ذلك تبعية النقد الأدبي للبلاغة قديما وللعلوم الإنسانية حديثا. ولما ظهرت اللسانيات، فتحت أفاقا جديدة أمام النقد الأدبي، وحفزته على تجاوز التبعية للعلوم الإنسانية والبحثِ عن هويته الخاصة. ويمكن القول إن الدراسات الأدبية مع البنيوية الشكلانية قد تشرَّبت روح العلم، فراهنت على استخلاص ثوابت النصوص الأدبية لبناء نمذجات عامة وقواعد مجردة. وقد قادها هذا المنحى التجريدي في التفكير إلى استخلاص أنساق خفيّة مهدت لمرحلة التنظير الأدبي.
وإذا كانت السيميائيات، بمختلف تشعّباتها وامتداداتها، قد احتضنت اللسانيات وخَطَتْ خطوات بعيدة في هذا المنحى التجريدي العلمي، إلا أن أهمّ إنجاز حقّقته يكمن في مدّ الجسور من جديد بين النقد الأدبي والعلوم الإنسانية وفق رؤية حلّ فيها مفهوم النّسق محلّ مفهوم السببية. وعلى العموم، فإن ما ميّز هذه المرحلة العلمية هو انفتاح النظريات والمناهج على بعضها البعض وفق رؤية تفاعلية يحكمها التناسل النظري والتلاقح المنهجي.
ورغم النجاح الكبير الذي حققه التنظير الأدبي منذ الانفتاح على اللسانيات والسيميائيات، فهو لم يسلم من انتقادات عديدة أبرزها ارتهان النقد البنيوي ببصيرة منطقية جعلته سجين قوانين صورية متعالية تصدق على النصوص الجيدة والرديئة في آن واحد، وتحجب عنه من ثمة ذلك العماء الأنطولوجي الملازم للأدب، وتلك الأنساق الخفية التي تسكن أعماق النصوص الأدبية، ولا تستطيع آليات العقل والمنطق سبر أغوارها. لقد ظلت هذه التصورات المناهضة للصرامة العلمية التي ميزت الإبدال الوضعي، تُؤْمِنُ بخصوصية الأنساق الأدبية المتوارية التي تختلف اختلافا جذريا عن خصوصيات الوقائع العلمية، مما دفعها إلى البحث عن منافذ جديدة والتسلّح بآليات مغايرة تتيح لها إدراك تلك الأسرار الأدبية والخفايا الثقافية التي ظلّت منفلتة عن الرؤية الوضعية. وقد استلهمت هذه التصورات الجديدة آليات فهمها للنصوص الإبداعية من التيارات ذات المرجعية الظاهراتية والتأويلية، أو من التفكيكية والدراسات الثقافية ونظرية العماء، فلم تعد ‘الحقيقة’ التي تبحث عنها مجرّد ظواهر أو وقائع يمكن التحكّم فيها علميا، بل أصبحت ماهيات أنطولوجية تُفْصِحُ عن وجودها من خلال الأدب والفنّ عامة، أو أنساقا أدبية وثقافية يساهم القارئ في بنائها بهذه الطريقة أو تلك بحسب موسوعته الثقافية ومهاراته التأويلية وقدراته التأملية.
أما الأدب الرقمي فقد تباينت المواقف بشأن هويته الأدبية؛ حيث تحفظت بعض المواقف على الاعتراف به داخل المؤسسة الأدبية بدعوى أنه لا يقتصر على اللغة بل يستثمر تقنيات سيميائية غير لفظية متباينة. ورحبت مواقف أخرى به حيث اعتبرته تنويعا إبداعيا يغني المنجز الأدبي بتجارب جديدة، وذهبت مواقف أخرى متحمسة إلى اعتباره بديلا يشق طريقه ليحلّ محلّ الأدب الورقي. وعلى العموم، فإن الدراسات التي واكبت هذه التجربة الجديدة قد استمدت مفاهيمها وآليات اشتغالها من التنظير الأدبي البنيوي وما بعد البنيوي، وطعمتها بمفاهيم وآليات جديدة استوحتها من الإعلاميات وعلوم التواصل والسيبيرنيتيكا. وإذا كانت هذه الدراسات قد بَذَلَت جهودا لتقريبنا من هذا الخطاب الأدبي الهجين، وتحديد المرجعيات النظرية والمنهجية التي يمكن اعتمادها لتحليله وتأويله، إلا أن النواة المشتركة بينه وبين الأدب الورقي على مستوى الإنتاج والتلقي تضعنا أمام إشكال عويص يمكن صياغته على الشكل التالي: هل ستتمكن التنظيرات الأدبية السائدة من توسيع مجال اهتمامها ليشمل الأدب الرقمي، أم أن خصوصية هذا الأخير ستؤهله لبناء نظرية خاصة به من شأنها أن تضبط طبيعته ووظيفته، وتمسك بخيوط المنطق المتحكم في ترابطاته وتشعباته الداخلية والخارجية.
محاور الندوة
انطلاقا من هذه الأرضية نقترح أن ترتكز أشغال هذه الندوة على معالجة إشكالات متداخلة يمكن حصرها في المحاور التالية:
1. ما طبيعة التنظير الأدبي وما الذي يميزه عن التنظير في العلوم الإنسانية والعلوم الصّلبة؟
2. إلى أي حد ساهمت الدراسات النظرية والنقدية في العالم العربي في تطوير التنظير الأدبي وضبط علاقته بالممارسة النقدية؟
3. هل تعدّ نظرية التلقي والدراسات السيميائية والثقافية مساهمات نوعية في تطوير التنظير الأدبي القائم، أم أنها مشاريع نظرية جديدة تقوم على إبدالات معرفية مغايرة للإبدال الذي قام عليه التنظير البنيوي؟
4. ما مدى مشروعية التصورات التأويلية المناهضة للنظرية والمنهج؟ هل تمكنت من بلورة رؤية مغايرة لفهم الظاهرة الأدبية والكشف عن أسرارها الخفية بمنأى عن قواعد العلم وضوابط المنطق؟
5. ما طبيعة التحديات التي يطرحها الأدب الرقمي على نظرية الأدب من خلال فتح الإبداع على احتمالات شتى تعطي للقارئ صلاحيات جديدة لا يتيحها له الأدب الورقي؟
انطلاقا من هذه الأرضية نقترح أن ترتكز أشغال هذه الندوة على معالجة إشكالات متداخلة يمكن حصرها في المحاور التالية:
1. ما طبيعة التنظير الأدبي وما الذي يميزه عن التنظير في العلوم الإنسانية والعلوم الصّلبة؟
2. إلى أي حد ساهمت الدراسات النظرية والنقدية في العالم العربي في تطوير التنظير الأدبي وضبط علاقته بالممارسة النقدية؟
3. هل تعدّ نظرية التلقي والدراسات السيميائية والثقافية مساهمات نوعية في تطوير التنظير الأدبي القائم، أم أنها مشاريع نظرية جديدة تقوم على إبدالات معرفية مغايرة للإبدال الذي قام عليه التنظير البنيوي؟
4. ما مدى مشروعية التصورات التأويلية المناهضة للنظرية والمنهج؟ هل تمكنت من بلورة رؤية مغايرة لفهم الظاهرة الأدبية والكشف عن أسرارها الخفية بمنأى عن قواعد العلم وضوابط المنطق؟
5. ما طبيعة التحديات التي يطرحها الأدب الرقمي على نظرية الأدب من خلال فتح الإبداع على احتمالات شتى تعطي للقارئ صلاحيات جديدة لا يتيحها له الأدب الورقي؟
إرسال تعليق